بيت المقدس
المسجد الأقصى هو المسجد الذي بارك الله حوله , و هو أولى القبلتين في الصلاة , و ثانى الحرمين في البناء , و أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال , كما جاء في الحديث الصحيح : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام , ومسجدي هذا , و المسجد الأقصي )) .
و قد اتجه الرسول صلى الله عليه و سلم و المسلمون إليه في صلاتهم ستة عشر شهرا كاملا , ثم أذن الله للمسلمين بعد ذلك أن يتجهوا في صلاتهم إلى المسجد الحرام , و كان ذلك لحكمة جليلة أرادها الله و هي أن تتأكد شخصية المسلمين الدينية بعد أن تأكدت شخصيتهم السياسية , و على الأخص بعد ما ظهر اليهود على حقيقتهم من العداء للإسلام و المسلمين حتى كانوا يتندرون بهم و يسخرون منهم و يقولون : يتبعون قبلتنا و لا يتبعون ديننا , فكان من الحكمة ألا يجتمع المسلمون معهم في قبلة واحدة كي يشعروا بأنهم بعيدون عن اليهود , و لا تجمعهم بهم أية رابطة .
و قد بني هذا المسجد بعد بناء الكعبة بأربعين عاما , كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي ذر قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أول مسجد وضع في الأرض فقال : المسجد الحرام . قلت ثم أي ؟ قال المسجد الأقصى , قلت : و كم بينهما ؟ قال : أربعون عاما ) .
و قد بناه يعقوب بن إسحق بن إبراهيم , ثم جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام و كان ذلك خلال فترة حكمه التي امتدت منذ سنة 972 إلي 932 ق . م , ثم خرب على يد بختنصر ملك بابل سنة 597 ق . م و في أثناء حكم الرومان طرد اليهود من القدس , و حرم عليهم دخولها , ثم سمح لهم بزيارتها مرة واحدة في السنة . و حينما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلمو لم يكن المسجد الأقصى بحالته التي عليها الآن و لا كان هيكل سليمان موجودا , و إنما كان هناك مكان للعبادة مخرب مدمر , حتى أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لما دخل بيت المقدس سنة 15 ه طهره بثوبه و أزال منه آثار التخريب و الأنقاض , و أقام فيه الصلاة و عمره المسلمون .
و يروى المؤرخون في ذلك : أن عمر لما دخل بيت المقدس دعاه البطريرك ( صفروينوس ) لتفقد كنيسة القبر المقدس ( كنيسة القيامة ) فلبى دعوته و أدركته الصلاة و هو فيها فالتفت إلى البطريرك و قال له : أين أصلي ؟ فقال : صل مكانك . فقال عمر ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي و يقولون هنا صلى عمر , و يبنون عليه مسجدا . و ابتعد عنها بمقدار رمية حجر ثم فرش عباءته و صلى . و جاء المسلمون من بعده و بنوا على مصلاه مسجدا و هو المسجد الذي لا يزال باقيا إلى يومنا هذا و يسمى ( مسجد عمر ) . ثم سأل البطريرك عن موضع المسجد الأقصى فدله علي ( عمود داود ) و ( كرسي سليمان ) حيث المسجد الأقصى فوجده مغمورا بالقمامة ففرش عمر عباءته و أخذ ينزح فيها القمامة من مكان المسجد و يلقيها في الأودية و اقتدى به قادة المسلمين و رؤساء الجند حتى طهروه تطهيرا ثم بني عليه مسجداً .
و منذ الفتح الإسلامي لبيت المقدس و لبلاد الشام على أيدي القواد الأبطال أبي عبيدة بن الجراح , و عمرو بن العاص , و شرحبيل بن حسنة , و يزيد بن أبي سفيان , منذ ذلك الحين وضحت عروبة فلسطين و زادها الزمن تأكيدا و قوة – فبني مسجد الصخرة و هو مسجد عمر بن الخطاب في عهد الملك بن مروان من جديد . أما ( المسجد الأقصي ) فقد أقيم إلى الجنوب من مسجد الصخرة في عهد الوليد بن عبد الملك بالوضع الحالي الذي نراه في عصرنا الذي نعيش فيه , و كلا من المسجدين بني فوق هيكل سليمان الذي تخرب من قديم كما ذكرنا , و لم يبقى منه سوى الحائط الغربي المشهور بالمبكى أو البراق عند طرف من أطراف الحرم الشريف الذي يضم المسجدين معا .
و يتبين من ذلك أن فلسطين منذ أيام داود و سليمان – عليهما السلام – لم تحكم على أيدي الإسرائيليين , و أما المدة الطويلة التي جاءت عقب ذلك و هي تقترب من ثلاثة آلاف عام , فقد تعرض فيها اليهود لغزوات كثيرة من الخارج . و بعد ميلاد المسيح بقرن واحد أو يزيد قليلا طرد الإسرائلييون منها و تعذر عليهم العيش فيها و ظلوا مشتتين في أنحاء الأرض إلى أن جاء أعداء الإسلام في القرن العشرين و عملوا على إعادتهم إليها و إقامة دولة خاصة لليهود فكان ( وعد بلفور ) المشئوم و هو الوعد الذي تحقق بعد ذلك بإقامة دولة إسرائيل التي تمثل شوكة قوية في قلب العرب و المسلمين .
أما بالنسبة للعرب و المسلمين فقد استقر حكم هذه الأرض ثلاثة عشر قرنا كاملة , أي منذ الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب إلى هذا العصر عدا فترة تقرب من تسعين عاما كانت فيها تحت حكم الصليبيين .
و ترتفع مدينة القدس بمقدار 2500 قدم ( 762 مترا ) فوق سطح البحر و تقع بين تلين صخريين , و على بعد 13 ميلا ( 21 كيلو ) غرب شمال البحر الميت , و يسكنها قرابة نصف مليون نسمة .. اليهود في الجهة الغربية و العرب في الجهة الشرقية , حيث توجد المدينة القديمة بأسوارها و حواريها الضيقة , و تحتوي على حائط المبكي و كنيسة القيامة و قبة الصخرة .
و يقع حائط المبكي في الجزء الجنوبي الشرقي للمدينة القديمة و يعتبره اليهود مكانا مقدسا لهم , و قد بني من الحجارة الضخمة , و يبلغ ارتفاعه 69 قدما ( 21.4 مترا ) أما طوله فيبلغ 160 قدما ( 49 مترا ) و هو الجزء المتبقي من الحائط الذي بناه الملك هيرود عندما أدخل توسعة على معبد سليمان , و عندما حطم الرومان معبد هيرود عام 70 قبل الميلاد و ساقوا اليهود إلى المنفى , و تبقي حائط المبكى الذي أصبح رمزا يذكرهم بالماضي الأليم و القدس التي فقدت من أيديهم و هدفا لاستعادتها , و في القرن الرابع قبل الميلاد سمح لهم الإمبراطور قسطنطين أن يحجوا إلى الجدار مرة كل سنة , حيث يبكون و يذرفون الدموع , و قد اكتسب الحائطاسمه من هذه الصلوات الحزينة .
أما كنيسة القيامة فتقع في الجزء الشمالي الغربي من المدينة القديمة و بناها قسطنطين الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد و حطمها الفرس عام 614 ثم أعادت الكنيسة الرومانية بناءها في القرن التاسع عشر . و قد اعنبر العرب القدس مدينة مقدسة , نظرا لأنها مسري الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و قد وقعت تحت حكمهم عام 638 و كنت مغطاة بالنحاس المطلي بالذهب , ثم أصابها التصدع عندما حدثت الهزة الأرضية عام 1016 , ثم أعيد بناؤها الآن باستخدام شرائح الذهب و الألومنيوم . و تستقر القبة على بناء مزين سداسي الأضلاع له أربعة مداخل تشير إلب اتجاهات البوصلة الأصلية , و المدخل الجنوبي تجاه مكة .