قصر الحمراء

17

 

لقد شهد عام 1492 حدثين هامين للعالم، أولهما: اكتشاف كولومبس للعالم الجديد، وثانيهما: انهيار حكم العرب في الأندلس بعد قرابة 800 عام والذي وصل إلى قمته من القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر. لقد كانت إمبراطورية الأندلس وعاصمتها قرطبة من أكثر مدن أوروبا تقدماً وأرقى مجتمعاتها. لقد شهدت الأندلس أرقى أنواع الفنون والعلوم تحت الحكم الإسلامي ذلك الحكم المتسامح الذي عاش في ظله اليهود والنصارى جنباً إلى جنب مع المسلمين، وكانت الأندلس ينبوعاً يفيض بكافة العلوم والحضارات على بلاد أوروبا فكان من أهم العوامل التي قادتها إلى عصر النهضة .

في عام 1031 انهارت قرطبة وانقسمت إلى عدة ممالك صغيرة واستطاعت المملكة المسيحية في الشمال أن تستعيد نفوذها في أسبانيا وفى بداية القرن الثالث عشر لم يتبقى للمسلمين إلا مملكة غرناطة – واستمر حكم العرب لمدة قرنين ونصف قرن آخرين حتى عام 1492 حين اضطر أخر سلاطين غرناطة لتسليم المدينة للقائد الكاثوليكي الروماني فرديناند وزوجته ايزابيلا. لقد كانت “غرناطة” أخر معقل للمسلمين في أسبانيا الإسلامية، وشيد بها أكبر أثر تاريخي يشير إلى مجد العرب المسلمين في أوربا. إنه قصر الحمراء.

وتقع مدينة غرناطة على الحافة الشمالية الغربية لسلسلة جبال سيرانيفادا في جنوب أسبانيا لتطل على سهل لافيجا الغني . وشيد قصر الحمراء على بقعة مستوية ليواجه من ناحية الشمال نهر دارو أما وجهته الجنوبية فناحية الوادي، بدأ العمل في بناء القصر عام 1238 عندما شرع في بنائه “ابن الأحمر” أول سلطان لمدينة “غرناطة” واستكمل بناؤه في القرن الرابع عشر في عهد يوسف الثالث ومحمد الخامس. ولجدران القصر وأعمدته منظر خلاب من الخارج، وقد ركزت جميع ديكوراته من الداخل.

وقد قسم القصر من الداخل إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول يشمل القلعة (الحصن) وهو ناحية الغرب، أما القصر نفسه فيقع في المركز، وقد خصص للسلطان وأهل بيته أما الناحية الشرقية فيقع فيها المدينة الملكية، والتي لم يعد لها أثر الآن، وقد شكل مدخل القصر على هيئة حدوة حصان ووضع على القوس الذي يعلو المدخل رمز يشير إلى أركان الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وسمى مدخل القصر ببوابة العدالة.

وتؤدى بوابة العدالة إلى بهو فسيح به صهريج كبير شيد من الصخور ويستخدم لتخزين مياه الأمطار عندما ينقطع إمداد الماء للقلعة أثناء الحصار. أما إذا دخلت قصر الحمراء فسوف تجد نفسك في عالم أخر. هذا ما وصفه الكاتب الأمريكي واشنطون ايرفنج عندما زار قصر الحمراء، حيث قال: “… إنه سحر، فإذا ما دخلت القصر فستشعر وكأنك قد انتقلت إلى عصر أخر وكأنك تعيش في عصور العرب الزاهية”. ويقودك المدخل إلى بهو عظيم مستطيل الشكل، في منتصفه بركة يحفها نبات الأس العطري، وفى شمال هذا البهو، بهو أخر زين بالرخام وأعد لاستقبال السفراء، تتوسطه حجرة العرش حيث يستقبل السلطان أهم زائريه. وقد غطيت أبواب وأعمدة وسقف البهو بخشب الأرز المصقول، أما الأرضيات فقد غطيت بالرخام الفاخر الأخضر والبرتقالي.

وبالقصر صالات أخرى، منها حجرات للملابس الملكية، والحمامات الملكية والصالات الملكية وصالة الأختين.

وهناك أيضاً حديثة (داراكسا) و بها منزل صيفي أحد غرفه تعرف باسم صالة الأسرار، حيث يستطيع الشخص أن يستمع من إحدى أركانها ما يهمس به الركن الأخر.

وقد زينت جدران القصر في أعلاها بآيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.