نهر النيل العظيم

15

لقد نشأت أصول الحضارات القديمة في المناطق الخصبة على ضفاف الأنهار العظمى : دجلة و الفرات في جنوب غرب آسيا , نهر اليانجستي في الصين , و نهر الهندوس في الهند , و لم يشهد العالم التصاقاً وثيقاً بين التجمع الإنساني و الحضاري و نهر من الأنهار مثلما حدث بين مصر و النيل , حيث توطدت علاقة وثيقة بينهما .

 و يجلب النيل مع كل فيضان سنوي الطمي الغني من إفريقيا إلي دلتا النيل مما جعلها تربة خصبة غنية , و لقد علم المصريون قيمة النيل و أثره في حياتهم و من ثم احترموه و قدروه .

و يتجه النيل شمالاً مبتدئاً من منبعه الجنوبي نهر كاجيرا في بورندي شرق وسط إفريقيا إلى البحر المتوسط قاطعاً حوالي 4131 ميلا ( 6648 كيلو متراً ) مما يجعله أطول أنهار العالم ( أطول من نهر الأمازون ) بحوالي 93 ميلا ( 150 كيلو متراً ) . أما نهر كاجيرا فهو ينبع من أعلى أراضي بورندي عابراً رواندا و تنزانيا ليدخل بحيرة فيكتوريا العملاقة و التي تعتبر هي منبع النيل الرئيسي أو الأصلي , و عندما يخرج النيل من بحيرة فيكتوريا بالقرب من جينجا في أوغندا , فإن عرضه يبلغ 1312 قدماً ( 400 متر ) .

 و من هذه المنطقة يكتسب النيل أسماء مختلفة , حيث يفيض خلال بحيرات كيوجا و موبوتو سيسيكو ( و التي كانت تسمى بحيرة ألبرت ) ثم يعبر إلى الأراضي السودانية , و في هذه المنطقة يفيض النيل بطيئاً و ينقسم إلى أفرع متعرجة و قنوات , و التي تكون مساحات هائلة من المستنقعات و مساحات أخرى تعرف باسم ( السد ) و هي نباتات طافية تعوق الملاحة في النيل .

و في جنوب وسط السودان يلتحم النيل العظيم ببحر الغزال القادم من الجنوب الغربي و يكونان النيل الأبيض .

و في الخرطوم يلتحم النيل الأبيض بالنيل الأزرق و الذي ينبع من جبال أثيوبيا إلى الجنوب الشرقي .

 و على مسافة 199 ميلاً ( 320 كيلو متراً ) في شمال الخرطوم يلتحم النيل بفرع شرقي آخر يسمى عطبرة و الذي ينبع بالقرب من بحيرة تانا .

 إن النيل الأزرق و نهر عطبرة هما المسئولان الرئيسان عن فيضان النيل , حيث يمتلئ كلا النهرين سنويا من يونيو إلي سبتمبر بالأمطار الصيفية و الجليد المنصهر من جبال أثيوبيا العالمية , و يذكر أن النيل الأزرق يمد نهر النيل بثلثي مياهه في ذلك الوقت .

و بعد أن يلتحم نهر عطبرة بالنيل العظيم يستمر النيل في سريانه في صحراء النوبة لمسافة 1678 ميلا ( 2700 كيلو متر )  متخذاً مساراً على شكل حرف S , حيث يحدث هذا الانحناء أو الالتواء قبل أن يدخل حدود مصر الجنوبية , و يحتل النيل مساراً ضيقاً أثناء سيره من الخرطوم حتى أسوان في جنوب مصر مخترقاً وادياً ضيقاً ومساحة صغيرة من الأراضي الزراعية .

و لقد تعرضت الملاحة في النيل للإعاقة بسبب عدد من الشلالات , و يعرف منها ستة , و هي شلالات سريعة و وعرة , و من المعروف أيضاً أن الشلال الثاني قد تم غمره بالمياه المحبوسة خلف سد أسوان العالي .

بدأ بناء السد العالي في عام 1960 , و يبلغ ارتفاعه 364 قدما (111 متراً) و طوله ميلان ( 3.2 كيلومترات ) , و تقع خلفه بحيرة ناصر , و هي أكبر بحيرة عرفها العالم صنعت بيد الإنسان , و يبلغ طولها 298 ميلا ( 480 كيلو مترا ) و تصل إلى شمال السودان . و قد غرقت كثير من الأماكن الأثرية بسبب هذه البحيرة , و قد تم نقل معبد ( أبو سمبل ) المشهور إلي مكان جديد يعلو مستوى البحيرة .

و على طول وادي النيل في مصر و الذي يبدأ من أسوان و الذي يتراوح عرضه ما بين 8 أميال و عرضه حوالي 10 أميال ( 16 كيلو مترا ) انتشرت الحضارة المصرية , و تدل على ذلك الآثار الموجودة خاصة في الأقصر و الكرنك (طيبة القديمة ) و ممفيس و الجيزة . و في جنوب القاهرة يتفرع النيل إلى فرعين .

 و في قديم الزمان كان للدلتا سبعة أفرع , أما الآن فيوجد فرعان فقط : رشيد في الغرب , و دمياط في الشرق .

و كانت الطرقة الأولى في الزراعة المعتمدة على النيل بدائية , حيث كانت توضع الحبوب في الطمي عند ظهور مياه الفيضانات السنوية , ثم تطور ذلك إلى الطريقة التقليدية لنظام الري بالحياض , حيث تمر مياه الفيضان في أحواض قسمت بحواجز من طين ثم يتم سحب المياه منها بعد شهرين تاركة الطمي خلفها , و لا تسمح هذه الطريقة إلا بالحصول على محصول واحد فقط طوال العام .

و في خلال المائة و خمسين عاماً الماضية أقيمت خزانات و سدود كثيرة ( أعظمها و أشهرها سد أسوان العالي ) لحجز مياه الفياضانات خلفها و لتضمن وجود و استمرار الزراعة طوال العام , و بذلك يتحول الري إلى ري دائم .

لقد ظل منبع النيل سراً غامضاً لمدة قرون عديدة , ففي القرن الثاني قبل الميلاد اعتقد البطالمة أن هناك بحيرتين توأم تتغذيان من جبال القمر , و ظل ذلك الاعتقاد قائماً لفترة تسعة عشر قرناً من الزمان حتى اكتشف جون هاننج سبك بحيرة فيكتوريا عام 1858 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.