هيكل أرتميس في إيفيسوس
بالقرب من قرية “آية سوليك” في تركيا الحديثة , و ليس بعيداً عن ساحل بحر إيجه , توجد بقايا المدينة الإغريقية القديمة ( مدينة إفيسوس) , و هي واحدة من اثنتي عشرة مدينة في آسيا الصغري .
و منذ قديم الزمان , كانت أرتيميس تمثل رمزاً للمطاردة و الصيد . أما في إفيسوس فقد اختلفت شخصيتها تماماً فقد كانت تمثل لسكانها رمزاً للخصوبة , و لقد كان يعتقد أن تمثالها يمثل رمزاً للقوة الطبيعية الإخصابية و التناسلية !
لقد كانت أرتيميس في غاية الأهمية في نظر أهل مدينة إفيسوس لدرجة أنهم بنوا لها معبداً , و الذي كان يعتبر بكل المقاييس أدق و أرقي معبد في العالم القديم و سالف الزمان , و لقد علق على ذلك أحد الكتاب . . و الذي اعتبره واحداً من عجائب العالم القديم بقوله : ( لقد رأيت جدران حدائق بابل المعلقة , و تمثال زيوس الأولمبي , و العملاق رودس , و أهرامات الجيزة العظيمة و مقبرة ماسوليس القديمة , و لكنني عندما شاهدت هيكل إفيسوس و هو يناطح السحاب تضاءلت أمامي كل هذه العجائب الساحرة ) .
و يقول كاتب آخر قديم : ( إن المعبد تفوق على كل بناء صنعته يد الإنسان ) .
لقد تم بناء هذا المعبد عدة مرات , حيث كانت المرة الأولى في القرن السادس قبل الميلاد على يد الفنان المعماري شيرسفرون , و ابنه ميتاجنس , و أمده كروسوس ملك ليديا الأخير بجزء كبير من ثروته .
و في عام 356 قبل الميلاد قام مجنون يدعى هيروستراتوس بإحراق المعبد و هو مواطن من إفيسوس , و كان يقصد بذلك تخليد ذكراه .
و أعيد بناء المعبد بتضافر مجهودات مكثفة من مدن آسيا الصغري , و باعت السيدات جواهرهن و حليهن لتغطية نفقات البناء و تكفل الملوك بإقامة أعمدته و استكمل البناء الجديد عام 323 قبل الميلاد , و كانت أبعاده تقدر 341 قدماً (104 أمتار) × 164 قدما (50 مترا) و يحتوي على 127 عموداً رخامياً ارتفاع الواحد منها 60 قدماً ( 18 مترا) , و قد شيد المعبد من الحجر الأسود المزخرف بالذهب و الآبنوس و الفضة .
لقد كان الإسكندر الأكبر ( البطل الذي لم يهزم قط ) واحداً من أشد المعجبين بهذا المعبد , و الذي تصادف أن ولد في الليلة التي أحرق فيها المعبد , و عرض الإسكندر الأكبر أن يتكفل بنفقات إعادة بناء المعبد كاملة إذا ما وافق مواطنو المدينة أن يكتب اسمه على المعبد و أن يكتب أيضا أن المعبد إهداء من الإسكندر , و لكنهم رفضوا بشدة , و إرضاءً للإسكندر و تهدئة لشعوره قام الفنان أبيليس برسم لوحة زيتية للإسكندر و هو يمتطي فرسه و علقها في المعبد , و يقال : إن الإسكندر لم ينتبه إلي هذه الصورة إلا حينما أراد حصانه أن يتشاجر مع الحصان الموجود فيها .
لقد اكتسبت مدينة إفيسوس ميزة كبيرة باقتنائها هذا المعبد الأثري الفخم , و قد اعتبر المعجبون ( بأرتيميس ) و الذين بذلوا أموالاً ضخمة في إعادة بناء هذا المعبد أنهم ادخروا فيه ثرواتهم من بلاد عديدة , و أن المعبد يعتبر كنزاً مشتركاً لكل الدول الآسيوية .
و لقد تعرض المعبد للدمار الكامل مرة أخرى , عندما اقتحم القوطيون المدينة عام 262 قبل الميلاد , و لم يعد بناؤه مرة أخرى , و استخدمت بقاياه وحطامه في بناء أبنية أخرى , و دفن مكانه عندما تغير مجرى النهر , و كل ما تبقى من هذا المعبد هو بعض الأعمدة الموجودة حالياً في المتحف البريطاني .